المنتدي الرئيسي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عانقت جدران منتدانا
عطر قدومك ..... وتزينت

لوعلمت الدار بمن زارها فرحت
واستبشرت ثم باست موضع القدمين

اسمح لي بأن أحييك .. وأرحب بك
فكم يسرنا انضمامك لعائلتنا المتواضعة
التي لطالما ضمها منتدانا الغالي على قلوبنا

علماء وأئمة دلجا
المنتدي الرئيسي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

عانقت جدران منتدانا
عطر قدومك ..... وتزينت

لوعلمت الدار بمن زارها فرحت
واستبشرت ثم باست موضع القدمين

اسمح لي بأن أحييك .. وأرحب بك
فكم يسرنا انضمامك لعائلتنا المتواضعة
التي لطالما ضمها منتدانا الغالي على قلوبنا

علماء وأئمة دلجا
المنتدي الرئيسي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


ديني - ثقافي - علمي
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول
سيتم قريبا إن شاء الله إضافة محاضرات الدار العلمية بالصوت والصورة والدروس المفرغة إن شاء الله

 

 الحلقة الثالثة من شرح الدكتور سفر الحوالي لشرح العقيدة الطحاوية

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
أبو أسامة أحمد كحيل
مدير
مدير
أبو أسامة أحمد كحيل


عدد المساهمات : 68
تاريخ التسجيل : 17/04/2011
العمر : 44
الموقع : emam.3oloum.com

الحلقة الثالثة من شرح الدكتور سفر الحوالي لشرح العقيدة الطحاوية Empty
مُساهمةموضوع: الحلقة الثالثة من شرح الدكتور سفر الحوالي لشرح العقيدة الطحاوية   الحلقة الثالثة من شرح الدكتور سفر الحوالي لشرح العقيدة الطحاوية I_icon_minitimeالجمعة نوفمبر 11, 2011 5:16 pm

العناصر:
1 - تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين
= بلاغ الرسول صلى الله عليه وسلم يستلزم المنع من وضع قواعد وإضافات ليست مستمده منه
= من أسباب الاختلاف نسيان الحظ
= وكذلك الشهوات وحب الدنيا
= وكذلك دخول الحاقدين

2 - ظهور البدع وخطورتها
= التأويل
= خطر التأويل
= سبب التأليف في العقائد
= مراتب التأويل
= تاريخ ظهور البدع
= أقسام الشيعة


نص المادة:

1 - تبليغ الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين


قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[وقد بلغ الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البلاغ المبين، وأوضح الحجة للمستبصرين، وسلك سبيله خير القرون، ثُمَّ خلف من بعدهم خلف اتبعوا أهواءهم، وافترقوا، فأقام الله لهذه الأمة من يحفظ عليها أصول دينها، كما أخبر الصادق صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بقوله: {لا تزال طائفةٌ من أمتي ظاهرين عَلَى الحق لا يضرهم من خذلهم} وممن قام بهذا الحق من علماء الْمُسْلِمِينَ: الإمام أبو جعفر أحمد بن مُحَمَّد بن سلامة الأزدي الطّّحاويّ ، تغمده الله برحمته، بعد المائتين، فإن مولده سنة (تسع وثلاثين ومائتين) ووفاته سنة (إحدى وعشرين وثلاثمائة).
فأخبر رَحِمَهُ اللهُ عما كَانَ عليه السلف ، ونقل عن الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، وصاحبيه: أبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الحميري الأنصاري ، ومُحَمَّد ابن الحسن الشيباني رضي الله عنهم ما كانوا يعتقدونه من أصول الدين ويدينون به رَبّ الْعَالَمِينَ] إهـ.
الشرح:
يقول المصنف: [وقد بلغ الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ البلاغ المبين وأوضح الحجة] وهذا لا يشك فيه أحد ولو شك فيه أحد لكان كافراً مرتداً، وهذه القضية بديهة ومعلومة عند جميع الْمُسْلِمِينَ .
لكن ما نجعله من لوازمها يخفى عَلَى كثير من الْمُسْلِمِينَ.
فإذا آمنا وأيقنا أن الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قد بلغ الدين كاملاً ولم ينقص منه أي شيء، فيترتب عَلَى ذلك أنه إذا وضع أحد قواعد نفهم بها بعض الآيات، أو جَاءَ بإضافات وأعمال جديدة لم يشرعها النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقَالَ: هذه من حقيقة الدين، فمعنى ذلك أن هذا الإِنسَان يقول بلسان حاله -إن لم يقل بلسان مقاله- أن ما جَاءَ به النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ناقص، وأنه لم يبلغ البلاغ، ولم يؤدّ الأمانة التي وكلت إليه وحاشاه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من ذلك، لكن هذه هي حقيقة قولهم.
ومن ذلك التأويل الذي سيذكره المصنف.
بلاغ الرسول صلى الله عليه وسلم يستلزم المنع من وضع قواعد وإضافات ليست مستمده منه


فالذين وضعوا قواعد التأويل متفقون ومطبقون ومجمعون عَلَى أن هذا التأويل لم يعرفه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا الصحابة، ويقولون: هذا من أصول الدين التي يجب أن نتمسك بها، ويردون بها كثيراً من النصوص، ويحرفون بها معاني كثير من الآيات لأنها قاعدة ضرورية!
كيف تقولون إنه من أصول الدين مع قولكم: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يذكره ولم يتعرض له ولم يأت به؟!
فلازم كلامكم أنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ما بلغ، وقد خان الأمانة والرسالة عياذاً بالله، وبذلك نفهم أهمية توثيق قضايا العقيدة التي خالفت فيها الفرق، وترتيبها وإرجاعها إِلَى القضايا المحكمة.
ولذلك قال الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوهاب رَحِمَهُ اللَّهُ في كشف الشبهات : "إن العامي الموحد يغلب الألف من الْمُشْرِكِينَ أو من أصحاب البدع".
لأنه وإن كَانَ عامياً، وعلمه محدود، لكنه يرجع القضايا المشتبهة الشائكة التي يخوض فيها العلماء إِلَى قضايا واضحة وأصول وضوابط محكمة.
فنرد المتشابهات أو المشكلات إِلَى المحكم الواضح الجلي، فإن جَاءَ أحد وقَالَ: نؤول هذه، أو نترك هذه، فعندنا كلمة عامة محكمة وهي: ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمنا به، وهكذا...
فمن جاءنا وقَالَ: هذه زيادة نعمل بها، ولم يعملها بها الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، ولم يأت فيها شيء عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فالجواب عليه أنه: ما دام كذلك فهي ليست من الدين ولا أجر فيها ولا ثواب، بل فيها العقوبة والرد {من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد} .
وهذا ينطبق عَلَى ما وضع من قواعد علم الكلام، والبدع العملية والفرعية، بل كل بدعة ابتدعت فهي داخلة فيما أحدث بعد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والافتراق لم يقع في عهد النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ولم يكن هناك معتزلة أو مرجئة .
لكن كيف تفرقت الأمة؟ وكيف ظهرت هذه البدع؟
ورد الحديث بذكر ذلك، وإن كَانَ بعضهم يطعن فيه، لأنه ليس في الصحيحين ، وإنما ورد في المسند ، وعند ابن أبي عاصم ، وفي السنن في روايات كثيرة: {إن هذه الأمة تفترق عَلَى ثلاث وسبعين فرقة كلها في النَّار إلا واحدة} وبعضها تذكر {إن اليهود افترقت عَلَى إحدى وسبعين فرقة والنَّصَارَى افترقت عَلَى اثنين وسبعين فرقة، وهذه الأمة تفترق عَلَى ثلاث وسبعين فرقة} وبعضها لا يذكر زيادة {كلها في النَّار إلا واحدة} وبعض الروايات تذكر صفات الفرقة الناجية وأنها {ما أنا عليه اليوم وأصحابي} .
الشاهد أن مجموع الروايات تدل عَلَى صحة الحديث، حتى إن بعضهم عده من الأحاديث المتواترة مع أنه ليس في أحد الصحيحين ، لكن الافتراق في ذاته ثابت وواضح من أدلة قطعية غير هذه الألفاظ، وغير هذه الروايات التي وردت في الحديث.
من أسباب الاختلاف نسيان الحظ


ونحن نعلم جميعاً أن اليهود والنَّصَارَى افترقوا إِلَى حد الاقتتال، وأنهم كما قال الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَر [البقرة:253] فهم اختلفوا وتفرقوا بغياً بينهم فَنَسُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء [المائدة:14].
وأخبرنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن اليهود والنَّصَارَى اختلفوا، وأخبرنا في هذه الآية من سورة المائدة أن سبب اختلاف النَّصَارَى أنهم نسوا حظاً مما ذكروا به.
ولو أخذنا هذه الآية فإنها تفسر لنا كثيراً جداً جداً من أسباب وقوع الخلاف بين الْمُسْلِمِينَ، كيف أنهم لما نسوا حظاً مما ذكروا به وقعت العداوة والبغضاء بينهم.
ونطبق هذه الجملة القرآنية عَلَى هذه الأمة، ونعرف أن هذه الأمة افترقت، بسبب "نسيان الحظ" وذلك بآيات وأحاديث الوعيد مثلاً:
ذكر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى الوعيد فيمن قتل وزنى وسرق: وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً [الفرقان:68-69] وجاء أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن... إلخ} ، وجاء في الحديث الآخر: {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه} .
وهكذا نصوصٌ كثيرة في مقام الوعيد، فجاءت الخوارج فأخذت حظاً مما ذكروا به، حيث أخذوا بأحاديث الوعيد فقط، وَقَالُوا: إذاً من ارتكب كبيرة فهو كافر خارج من الملة، وتركوا الأحاديث والآيات التي تفسرها وأخذوا حظاً مما ذكروا به وتركوا الحظ الآخر، مع أنهم لو أخذوا هذا وهذا لفهموا ما أخبر به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث الصحيح: {لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان دعواهما واحدة} ، فقد فُسِّر ذلك بأنه ما كَانَ من قتال في عهد عَلِيّ ومعاوية ، وشهد لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالإيمان والإسلام مع وقوع القتال، وفي آية الحجرات يقول تعالى: وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا [الحجرات:9] فالقتال يقع بين المؤمنين ولا يخرجهم من الملة، نعم هو كبيرة وعليها وعيد شديد، ولكن لا يخرج من الملة.
وأخذت المرجئة حظاً آخر مما ذكروا به، فأخذوا بآيات وأحاديث الوعد: {من قال لا إله إلا الله دخل الجنة} ، فأخذوا بروايات مطلقة مع وجود روايات تقيدها وتفسر معناها وتدل عليها، منها تكفير تارك الصلاة مثلاً: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر} {بين العبد وبين الكفر أو الشرك ترك الصلاة} ، فتركوا جانب الوعيد كله، وأخذوا بجانب الوعد فقط.
وفي موضوع الصفات: فإثبات صفات الله عَزَّ وَجَلَّ جاءت في آيات كثيرة، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ علمنا كيف نؤمن بصفات الله عَزَّ وَجَلَّ وأنها عَلَى جانبين: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ[الشورى:11] نفي وإثبات لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ هذا جانب نفي وتنزيه لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ هذا جانب إثبات لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فجاءت المعطلة فأخذوا بجانب النفي والتنزيه فقط، وقالوا لا يسمع ولا يبصر، وليس له يد ولم يستو لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ، وإذا أثبتنا اليد والعين والنزول والرؤية، أصبح الإله من المخلوقات الممكنات، وأصبح له أعضاء والعياذ بالله، فقدموا أموراً لم ترد في كتاب الله ولا سنة رسوله، وقالوا نَحْنُ ننزه الله وننفي هذه كلها، ولو كانت في الكتاب والسنة، فإننا نأولها ونردها وننفيها حتى ننزه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عنها، فأخذوا حظاً مما ذكروا به لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى: 11] هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً [مريم:65] وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ [الإخلاص:4] ونفوا صفات الله عَزَّ وَجَلَّ بمثل هذه الآيات.
وبالمقابل جاءت المشبهة ونسوا حظاً مما ذكروا به، وتركوا الآيات التي جاءت في تنزيه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأثبتوا لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الصفات كما يليق بالمخلوق -تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً- مشابهين في ذلك لليهود عندما قالوا: إن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى -كما هو مذكور في التوراة- خلق السموات والأرض في ستة أيام واستراح في اليوم السابع والعياذ بالله!
فجعلوا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يتعب ويلغب، كما يلغب ابن آدم إذا عمل عملاً ما، ولذلك نفى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ذلك فقَالَ: وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38] أي: لم يمسنا التعب ولا النصب ولا اللغب، وردّ عليهم، فجاء هَؤُلاءِ المشبهة، وأخذوا من اليهود التشبيه وزادوا عليهم فَقَالُوا: له يد كيدنا، فجعلوا صفات الله عَزَّ وَجَلَّ مثل صفات المخلوق.
فإذا قال لهم أُولَئِكَ المعطلة : أنتم شبهتم، قالوا: أنتم عطلتم، لذا قال السلف الصالح : المعطل عابد عدم، والمشبه عابد صنم، فالمعطل عابد عدم لأنه يقول: إن الله تَعَالَى لا داخل العالم ولا خارجه، ولا فوقه ولا تحته، ولا يمينه ولا شماله، وليس له يد، وليس له عين، وليس له أي صفة من الصفات، ولا يسمع ولا يبصر.
إذاً: فهذا معدوم غير موجود، فالمعطل عابد عدم، ولكن المشبه عابد صنم لأن الذي يقول يد الخالق كيد المخلوق، ووجهه كوجه المخلوق، وقدمه كقدم المخلوق، فإنما هو يعبد صنماً، لأن الأصنام نحتت لكي تعبد من دون الله، لكي يقَالَ: هذا هو الله تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.
والشاهد أن سبب الخلاف بينهما هو أن هذا أخذ حظاً مما ذكر به ونسي حظاً، وهذا أخذ حظاً مما ذكر به ونسي الحظ الآخر، فأغرى الله بينهما العداوة والبغضاء.
فتجد في كتب المعطلة أنهم يكفرون المشبهة ، وفي كتب المشبهة يكفرون المعطلة ، وفي كتب المرجئة يكفرون الخوارج ، وفي كتب الخوارج يكفرون المرجئة ، أغرى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بينهم العداوة والبغضاء، وهذا من أعظم أسباب الاختلاف أن لا يؤخذ الكتاب كله ولا يتلقى العلم والدين كله من عند الله ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وكذلك الشهوات وحب الدنيا


ومن أسباب الاختلاف: "الشهوات وحب الدنيا" فإن حب الدنيا يفسد النية والإرادة، وإذا فسدت الإرادة ودخل الدخن إِلَى القلب، فإن الأعمال تفسد، ويترتب عَلَى فساد الأعمال فساد في الاعتقاد، وأسباب ذلك تبدأ بسيطة لكنها فيما بعد تظهر وتبدو، حتى تكون منهجاً من المناهج.
فحب الدنيا كَانَ من عوامل الإفساد بين الْمُسْلِمِينَ، ومن عوامل تفرق الْمُسْلِمِينَ وهلاكهم كما جَاءَ في الحديث الصحيح، لما جَاءَ أبو عبيدة من البحرين بالغنيمة أو الجزية إِلَى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقَالَ: {لعله بلغكم ما جَاءَ به أبو عبيدة من هجر } ومع ذلك قال لهم النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في آخر الحديث: {فو الله ما الفقر أخشى عليكم ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم} فالتنافس في الدنيا والتفرق فيها يؤدي إِلَى التفرق في الدين.
ولذلك لما قام بعض النَّاس يريد الخلافة وينازع فيها تفرقت الأمة الإسلامية، حتى أصبح لهم في عام (72 أو 73) أربعة أمراء للحج، حجت طائفة مع بني أمية تحت راية بني أمية في يوم عرفة، وحجت طائفة تحت راية المختار بن أبي عبيد ، وحجت طائفة تحت راية عبد الله بن الزبير ، وحجت طائفة للخوارج تحت راية نافع بن الأزرق ، أربع رايات للحج في وقت واحد وفي يوم واحد يوم عرفة بعد حوالي "60 سنة" من وفاة الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ!
وذلك لأجل الأهواء والشهوات وحب الدنيا والتنازع عَلَى الملك.
كما قال أبو برزة في الحديث الذي رواه البُخَارِيّ ، قَالَ: "والله إني لأحتسب عند الله أني أصبحت ساخطاً عَلَى هذا الحي من قريش، إن هذا الذي في العراق إنما يقاتل عَلَى الدنيا، وإن هذا الذي هنا إنما يقاتل عَلَى الدنيا، وإن أُولَئِكَ -يعني القراء الخوارج - إنما يقاتلون عَلَى الدنيا" .
فحب الدنيا كَانَ من أسباب تفرق الْمُسْلِمِينَ وتنازعهم واختلافهم.
وكذلك دخول الحاقدين


ومن أسباب تنازع الْمُسْلِمِينَ واختلافهم: دخول الحاقدين، وهذا عامل خارجي، والعامل الخارجي لا يأتي إلا عقوبةً لخلل داخلي، كما أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عاقب في يوم أحد: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165].
فكانت العقوبة بسبب ما عند النفس من الذنوب كما جَاءَ في الآية الأخرى: مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَة [آل عمران:152] فبسبب فساد الإرادة، أو بسبب الخلل الداخلي تأتي العقوبة الخارجية، وتسليط الأعداء، وإلا فقد قال تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً [آل عمران:120]، فأعداؤنا يكيدون علينا ليل نهار دائماً، فإذا تحدثنا عن أي مصيبة أصابت الْمُسْلِمِينَ قلنا هو بسبب الأعداء، فالشيوعيون والصليبيون واليهود يخططون ويعملون ضدنا.. وهكذا وكأننا قوم مؤمنون صالحون متقون، ولكن هَؤُلاءِ آذونا وامتحنونا وفعلوا بنا!
سُبْحانَ اللَّه!! لماذا لا ننظر إِلَى السبب الأعظم؟ وهو لماذا سلطهم الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى علينا؟
لأنه لا تقوى ولا صبر لدينا، ولذلك سُلطوا علينا فضرنا كيدهم وأثر فينا، ولله في ذلك حكمة.
فاليوم أكثر الْمُسْلِمِينَ يوالون الكفار مع هذه المخططات الواضحة الجلية، فبالله كيف يكون الحال لو أن كَانَ الكفار لا يخططون ضدنا؟
إذاً لحييناهم ولقبلناهم وبششنا عَلَى وجوههم.
ولذلك شاء الله أن يكون مقتل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وهو من أكبر الفجائع في التاريخ الإسلامي، عَلَى يد رجل مجوسي لنعتبر، وعندما جيء به ليحقق معه، شهد بعض الصحابة بأن جفينة النصراني والهرمزان ، وهما من ملوك العجم جاءا وأظهرا الإسلام في المدينة ، واتفقا مع أبي لؤلؤة المجوسي ، ورآهم قبل ذلك بليال وهم يتحدثون، وسقط بينهم السيف الذي له نصلان، وهو الذي استخدم في قتل عمر الفاروق رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
فـالنَّصَارَى والمجوس اتفقوا وبيتوا المؤامرة لمقتل عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، واكتشف الْمُسْلِمُونَ هذه المؤامرة ليعرفوا أن لهم أعداءً، وأن العداوة هذه لن تخمد أبداً، وليحتاطوا من أمثال هَؤُلاءِ.
واليهود وضعوا للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السم في الشاة -كما جَاءَ في الحديث الصحيح- الشاة المسمومة التي أكل منها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حتى قالت الذراع: إنها مسمومة، أنطقها الله لنبيه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فهم ألد أعداء الإسلام كما قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا [المائدة: 82] ولذلك جَاءَ اليهودي عبد الله بن سبأ وأثار الفتنة عَلَى عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، ليكمل الدور الذي قام به أبو لؤلؤة المجوسي عليه، ولما حرق عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ هَؤُلاءِ الزنادقة وكانوا من طائفة عبد الله بن سبأ اليهودي ، هرب عبد الله بن سبأ ولجأ إِلَى بلاد فارس ، حيث بذر الفكر المجوسي، فالتقى الفكر المجوسي مع الفكر اليهودي، وبذروا الفكرة التي أصبحت تؤلّه علياً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، لأن علياً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إنما حرقهم عندما قالوا: أنت أنت.
قَالَ: من أنا؟
قالوا: أنت الله.
فقال رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:
لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قنبراً
قَالَ: أوقدوا لي نيراناً فأحرقوهم، فهرب عبد الله بن سبأ إِلَى بلاد فارس ، وبذر هذه الفكرة في نفوس العجم، وأوجدت الدين السبئي الذي لا يزال قائماً حتى الآن.
فمن أسباب تفرق الْمُسْلِمِينَ، وظهور هذه الفرق، هو المكر اليهودي والنصراني والمجوسي.
وسنأتي أيضاً للتعرف عَلَى هذه الطائفة وغيرها عندما يأتي -إن شاء الله تعالى- الحديث عن الصحابة وما الذي يجب اعتقاده في حقهم رضوان الله عليهم؟
فالمغرور والمخدوع من يظن أن هذه الطوائف الحاقدة التي أنشأها أعداء الإسلام، وبذروها في بلاد الْمُسْلِمِينَ، وفرقوا بها صف الْمُسْلِمِينَ-أنها يمكن أن تحب وتوالي الإسلام والْمُسْلِمِينَ، فإنها قامت عَلَى الحقد وبه تتغذى.
والفرق والطوائف المبتدعة المنحرفة تعتمد في تكونها وتركيبها وتجميع أفرادها عَلَى معادة أهل الحق -الطائفة الكبرى- فليس هناك قضية عقلية خاصة، أو بحث نظري مجرد يجمعها، أو هو الذي أعطاها منهجاً، وإنما الذي يجمعها هو العداوة لـأهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، أهل الحق، فيربون أنفسهم وأبناءهم وأجيالهم عَلَى الحقد عَلَى الطائفة الحق، لـأهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ أو الطائفة المنصورة التي قال عنها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين عَلَى الحق لا يضرهم من خذلهم} وفي الرواية الأخرى: {لا تزال طائفة من أمتي قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم أو خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم ظاهرون عَلَى النَّاس} وفي رواية من حديث جابر في صحيح مسلم زيادة مهمة أو تفسير مهم وهي: {لن يبرح هذا الدين قائماً يقاتل عليه عصابة من الْمُسْلِمِينَ حتى قيام الساعة} ففيها زيادة أن هذه الطائفة تجاهد النَّاس من أجل إقامة هذا الدين.
وجهاد أهل البدع مشروع بالأحاديث المتواترة في قتال الخوارج، فهم من أهل البدع، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في الحديث الصحيح المتواتر كما قال بعض العلماء: {لو أدركتهم لقتلتهم قتل عاد} .
ومن هنا أخذ العلماء قاعدة عظمى وهي: "مقاتلة أهل البدع" وهي أن حكم أهل البدع؛ المقاتلة إذا تميزوا وأصبحوا طائفة، وأما إذا بقوا في المجتمع فإنه يجب علينا أن نكبتهم ونمنعهم من نشر بدعهم والدعوة إليها، ومع ذلك نعطيهم أحكام الإسلام الظاهرة عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -لما لجأوا إِلَى جنبات المسجد وَقَالُوا: لا حكم إلا لله، لا حكم إلا لله، فقال-: إن لكم علينا ألاّ نمنعكم البيت، ولا نمنعكم المساجد، يعني تصلون معنا وتأخذون حصتكم من الفيء من بيت مال الْمُسْلِمِينَ، إلاّ إذا أحدثوا حدثاً، أي: إذا عملوا عملاً يخل بأمر المجتمع المسلم والجماعة المسلمة، وأحكام أهل البدع طويلة ولعله يأتي بعضها إن شاء الله.
والطائفة المنصورة هي التي عَلَى مثل ما كَانَ عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، كما فسرتها رواية التِّرْمِذِيّ : {ما أنا عليه اليوم وأصحابي} ولما سئل الإمام أَحْمَد عن الطائفة المنصورة قَالَ: (إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري من هم) وذلك أن لأهل الحديث مصطلحين:
مصطلح علمي.
ومصطلح شرعي.
فالاصطلاح العلمي المراد به هم الذين يشتغلون بدراسة الحديث، ونقد الرجال والمتون ومعرفتها وتخريجها، فهَؤُلاءِ يسمون علماء الحديث، كما تقول علماء النحو، وعلماء البلاغة، وعلماء اللغة، وعلماء التفسير، وليس هذا هو المعنى المراد من الإمام أَحْمَد ، لأنه يوجد من المحدثين من هو عَلَى بدعة خاصة في القرون الأخيرة، ويوجد من المشتغلين بالرجال ودراسة الأسانيد من لا يمثل عقيدة أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ حق التمثيل.
والاصطلاح الشرعي: هم الذين يأخذون بالأحاديث ويعملون بها.
ولذلك أطلق السلف عَلَى الذين لا يأخذون بالحديث والأثر من طوائف أهل البدع: أهل الكلام وأهل الجدل، لأن بدعهم لا تقوم عَلَى دليل من كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإنما تقوم عَلَى الجدل وعلم الكلام، فبقيت الطائفة المنصورة أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ يأخذون بالأحاديث.
ولذلك يُسمون: أهل الأثر وأهل الحديث، أي: المتبعون لِمَا كَانَ عليهِ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه؛ فكلام الإمام أَحْمَد إن لم يكونوا أهل الحديث فلا أدري منهم" أي المتبع للأثر، حتى وإن كَانَ من أهل اللغة، فقدماء أهل اللغة عموماً النضر بن شميل والخليل بن أحمد وأبو عبيد القاسم بن سلام من علماء اللغة والحديث هَؤُلاءِ من أهل اللغة وهم من أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ أيضاً.
فأهل الحديث المراد بهم أهل الأثر المتبعون لسنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى هذا نستطيع أن نفهم أن الطائفة المنصورة هي المتبعة لما كَانَ عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، وهي الناجية الوحيدة، وهي التي قامت بإبلاغ ونقل ما ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
ولذا يقول المصنف: [وممن قام بذلك الإمام أبو جعفر الطّّحاويّ ].
فقد نقل عقيدة السلف ، وبالذات عقيدة الإمام أبي حنيفة وتلميذيه، وهكذا كل من يأتي ويتكلم في عقيدة أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ إنما ينقل كلامهم ويشرحه ويوضحه، ولو جاءنا أحد بشيء من عنده لرددناه كما نرد عَلَى أهل البدع، فهذا هو الطريق المتبع وهذا هو طريق أهل الأثر.
2 - ظهور البدع وخطورتها


قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[وكلما بعد العهد ظهرت البدع، وكثر التحريف الذي سماه أهله تأويلاً ليقبل، وقلّ من يهتدي إِلَى الفرق بين التحريف والتأويل، إذ قد سُمِّى صرف الكلام عن ظاهره إِلَى معنى آخر يحتمله اللفظ في الجملة تأويلاً، وإن لم يكن ثَمَّ قرينة توجب ذلك، ومن هنا حصل الفساد، فإذا سموه تأويلاً قُبل وراج عَلَى من لا يهتدي إِلَى الفرق بينهما. فاحتاج المؤمنون بعد ذلك إِلَى إيضاح الأدلة، ودفع الشُبَه الواردة عليها، وكثر الكلام والشغب، وسبب ذلك إصغاؤهم إِلَى شُبه المبطلين، وخوضهم في الكلام المذموم الذي عابه السلف ، ونهوا عن النظر فيه، والاشتغال به والإصغاء إليه، امتثالاً لأمر ربهم، حيث قال: وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِه [الأنعام:68] فإن معنى الآية يشملهم. وكلٌ من التحريف والانحراف عَلَى مراتب: فقد يكون كفراً، وقد يكون فسقاً، وقد يكون معصية، وقد يكون خطأ.
فالواجب اتباع المرسلين واتباع ما أنزله الله عليهم وقد ختمهم الله بمُحَمَّد صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعله آخر الأَنْبِيَاء وجعل كتابه مهيمناً عَلَى ما بين يديه، من كتب السماء، وأنزل عليه الكتاب، والحكمة، وجعل دعوته عامة لجميع الثقلين: الجن والأنس، باقية إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، وانقطعت به حجة العباد عَلَى الله، وقد بين الله به كل شيء وأكمل له ولأمته الدين، خبراً وأمراً وجعل طاعته طاعة له، ومعصيته معصية له، وأقسم بنفسه أنهم لا يؤمنون حتى يحكموه فيما شجر بينهم، وأخبر أن المنافقين يريدون أن يتحاكموا إِلَى غيره، وأنهم إذا دعوا إِلَى الله والرَّسُول -وهو الدعاء إِلَى كتاب الله وسنة رسوله- صدوا صدوداً وأنهم يزعمون أنهم إنما أرادوا إحساناً وتوفيقا.
وكما يقول كثير من المتكلمة والمتفلسفة وغيرهم: إنما نريد أن نُحس الأشياء بحقيقتها، أي: ندركتها ونعرفها ونريد التوفيق بين الدلائل التي يسمونها العقليات -وهي في الحقيقية جهليات- وبين الدلائل النقلية المنقولة عن الرَّسُول أو نريد التوفيق بين الشريعة والفلسفة.
وكما يقوله كثير من المبتدعة من المتنسكة والمتصوفة: إنما نريد الأعمال بالعمل الحسن، والتوفيق بين الشريعة وبين يما يدعونه من الباطل الذي يسمونه: حقائق وهي جهل وضلال وكما يقوله كثير من المتكلمة والمتأثرة: إنما نريد الإحسان بالسياسة الحسنة والتوفيق بينها وبين الشريعة ونحو ذلك.
وكل من طلب أن يُحكم في شيء من أمر الدين غير ما جَاءَ به الرسول، ويظن أن ذلك حسن، وأن ذلك جمع بين ما جَاءَ به الرَّسُول وبين ما يخالفه، فله نصيب من ذلك، بل ما جَاءَ به الرَّسُول كافٍ كاملٌ يدخل فيه كل حق، وإنما وقع التقصير من كثير من المنتسبين إليه، فلم يعلموا ما جَاءَ به الرَّسُول في كثير من الأمور الكلامية الاعتقادية، ولا في كثير من الأحوال العبادية، ولا في كثير من الأمارة السياسية، أو نسبوا إِلَى شريعة الرَّسُول بظنهم وتقليدهم ما ليس منها وأخرجوا عنها كثيرا من ما هو منها.
فبسبب جهل هَؤُلاءِ وظلالهم وتفريطهم وبسبب عدوان أُولَئِكَ وجهلهم ونفاقهم كثر النفاق ودرس كثير من علم الرسالة.
بل البحث التام والنظر القوي والاجتهاد الكامل في ما جَاءَ به الرَّسُول صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليُعلم ويعتقد ويعمل به ظاهراً وباطناً، فيكون قد تُلي حق تلاوته، وأن لا يهمل منه شيء] إهـ.
الشرح:
كلما بعد العهد كثرت الانحرافات والتأويل الذي سماه أهله "تأويلاً" فإن من المعلوم أنه قد كثر التعطيل والتشبيه.
التأويل


والتأويل هو أصل به هُدمت الشريعة، ويوضح ذلك: أن الذين ينفون صفات الله عَزَّ وَجَلَّ كـالمعطلة والباطنية والرافضة ، وأمثالهم من الذين يضربون كتاب الله بعضه ببعض، هَؤُلاءِ هم قوم مجاهرون ومعادون لـأهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ بوضوح، ويعادون الأمة الإسلامية وجماعة الْمُسْلِمِينَ، ويعادون الأصول الشرعية، فيردون الآية والحديث، وأمرهم واضح جلي، لكن المؤول أخطر وجنايته أكثر، لأنه يقول: أنا أؤمن بالآية والحديث، ويقول: أنا من أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وهكذا يدعي المؤولون: أنهم من أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ .
والتأويل هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إِلَى المعنى المرجوح قرينة.
والتأويلات كثيرة جداً، وبعضها مضحك، وبعضها يستدعي التعجب، فمثلاً بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ[المائدة:64] لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَي [ص:75] هنا "يدَي"، وهناك "يداه"، فالمؤول يقول: نؤول اليد، مع أن ظاهر اليد صفة معروفة.
فالذين يثبتون لله عَزَّ وَجَلَّ هذه الصفة يقولون: اليد حقيقية تليق بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لا نعرف كيفيتها، فيقول المؤولة هذا الظاهر، ونحن مسلّمون بأنه ظاهر اللفظ وأنه تدل عليه الآية، لكن نصرف هذا الظاهر إِلَى وجه واحتمال مرجوح، وهو أن لفظة اليد معناها النعمة أو القدرة، لقرينة وهي: تنزيه الله عَزَّ وَجَلَّ، فالقواطع والبراهين العقلية دلت عَلَى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى منزه عن الجارحة .
فهناك قواعد عقلية وضعوها هم:
منها: أن الله ينزه عن الجارح، واليد جارحة، فتنفى عن الله ويصرف اللفظ من الاحتمال الراجح المتبادر الذي يعرفه كل من يقرؤه إِلَى احتمال مرجوح يقال فيها بوجود القرينة، وهي البرهان العقلي الذي قام عَلَى تنزيه الله تعالى.
وأولوا وحرفوا بتأويلات عجيبة، نذكر فقط بعض الامثلة، ففي الحديث الصحيح: {لا تزال النار تقول هل من مزيد حتى يضع الله تَعَالَى قدمه في النار} وروايات كثيرة في أن النَّار لا تمتلئ حتى يضع الجبار تَبَارَكَ وَتَعَالَى فيها قدمه، وفي رواية: {رجله} كلها في صحيح البُخَارِيّ ومسلم ، {يضع الله تعالى قدمه في النَّار فتقول: قط قط} وفي إحدى الروايات كلمة {الجبار } وفي روايات كثيرة: {يضع الله} ، {يضع الرحمن } فَقَالُوا: الجبار إما أنه أحد الملائكة اسمه "الجبار"، وإما أنه أحد الظلمة من أهل الأرض، فلا تمتلئ حتى يضع هذا الجبار الطاغوت قدمه أو رجله في النار، فتقول: قط قط قد امتلأت.
وهذا تأويل أبي المعالي الجويني ، وقد رجع عن ذلك، وتبعه عليه أبو حامد الغزالي ، وهو موجود في كتابه المصقول في علم المنقول ، وهم قالوا بذلك هروباً من أن يقولوا: هو الله عَزَّ وَجَلَّ.
والروايات الأخرى التي فيها (الله، الرحمن) قالوا: عندنا قرينة وهي: أن الله ينزه عن الأبعاض والجوارح، وهذا قد قامت عليه البراهين العقلية والأدلة القطعية من العقل، فتنفى.
وحديث الحبر اليهودي، رواه الإمام أَحْمَد والبُخَارِيّ ومسلم وغيرهم، أنه جَاءَ إِلَى النبي وقَالَ: {أما علمت يا مُحَمَّد أن الله يَوْمَ القِيَامَةِ يضع السماوات عَلَى إصبع، والأرضين عَلَى إصبع، والثرى عَلَى إصبع، والشجر عَلَى إصبع، وبقية الخلائق عَلَى إصبع} وفي رواية الإمام أَحْمَد : {أنه يضع الأرض عَلَى ذه وأشار إِلَى السبابة} ثُمَّ استمر في بقية الأصابع.
وفي الحديث: {فضحك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصديقاً لقوله} هكذا نص الحديث "على إصبع" فضحك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تصديقاً لقوله.
ومثله الآية: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67]، فالنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضحك تصديقاً لقوله، وأن هذا حق، لكن كيفية الصفة غير معلومة لنا، فله من الصفات ما يليق به كما أن للمخلوق ما يليق به.
وأما المؤولة فقالوا هذا الحديث يؤول، وذلك كـابن فورك ، فإنه قَالَ: إن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضحك تعجباً من تشبيه هذا الكافر اليهودي.
فيقال هل ضحك النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تعجباً من كفره؟!!
تأويلات غريبة ليس عليها أي دليل، إلا أنه كما قالوا: قامت القواطع والبراهين العقلية عَلَى أن هناك قرينة تمنعنا من أن نقول بظاهر هذا اللفظ.
ومن الأدلة عَلَى بطلان التأويل، ما قاله: أبو المعالي الجويني نفسه -شيخ الغزالي - في آخر عمره لما رجع عن الأشعرية ، وقد كَانَ إمامهم، وألف كتاباً سماه الرسالة النظامية "إني اطلعت فرأيت السلف مطبقين عَلَى عدم التأويل مع كثرة اهتمامهم بفروع الشريعة، فلما رأيتهم قد نقلوا إلينا الشريعة كاملة، وأنهم أكثر منا اهتماماً بأصول الشريعة وفروعها، ورأيتهم مطبقين عَلَى عدم التأويل، علمت أن التأويل غير حق، فتركت التأويل" .
خطر التأويل


ينبغي أن نعرف خطر التأويل، فإنه أخطر من قضية الأسماء والصفات، وإن كانت الأسماء والصفات تتعلق بالله عَزَّ وَجَلَّ وتوحيده، وهي ركن عظيم من ديننا، لكن القول بالتأويل، نقض للدين كله أصوله وفروعه.
فالروافض والباطنية قيامهم وتعلقهم وتطاولهم إنما هو بسبب انتشار التأويل بين الْمُسْلِمِينَ، تقول الرافضة : إن الله أمرهم أن يذبحوا عَائِِِشَةَ بنت أبي بكر ، ولكنهم عصوه وأمّروها عليهم، وأركبوها جملاً، وذهبوا بها لتحارب أمير المؤمنين على بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ في معركة الجمل.
والدليل عَلَى ذلك إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً [البقرة:67] فهل يُعقل أن الله تَعَالَى وهو العظيم الجليل يأمر في القُرْآن بذبح بقرة من التي تمشي في الأرض؟ لا. وإنما المسألة أعظم من ذلك.
قال أهل السنة : هذه ليست في أم المؤمنين ، وإنما هي في اليهود من بني إسرائيل، لأن موسى قال لقومه: إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة.
وقالت الباطنية للمسلمين: لماذا تصلون وتصومون وتحجون؟
قالوا: هذا ديننا، وهي من أركان الإسلام.
فقالوا: هذه نؤولها عن ظاهرها، فالصلوات الخمس: عَلِيّ وفاطمة والحسن والحسين والإمام المنتظر ، وتأويلنا هذا ليس بناءً عَلَى قرينة عقلية، بل بناءً عَلَى خبر يقين.
وَقَالُوا: الإمام الغائب الذي في السرداب، وهو الإمام المعصوم هو المصدر العلمي اليقيني عندنا، وينقله إلينا الباب، فالباب ينقل كلام الإمام الغائب الذي في السرداب إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ، فنحن نتكلم بيقين، لأن هذا الإمام المعصوم ينقل لنا الكلام عن طريق الباب، والباب يعطي الحجاب، والحجاب أو نواب الأمير ينقلون إلينا هذه المعاني، فعرفنا أن الصلوات الخمس هي هذه الأسماء الخمسة.
والصوم هو: أن يحفظ أسرار الطائفة، والحج: أن تقصد الأئمة وتتلقى عنهم وحدهم، فما هناك طواف بالكعبة، ولا هناك حجر.
وكذلك الفلاسفة أولّوا كما أولّ الرافضة والباطنية ، فقالت الفلاسفة : إن البعث لا حقيقة له.
فقيل لهم: إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أخبر بالبعث في كتابه، والأحاديث الصحيحة ذكرت البعث ووضحته، وأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يحشر النَّاس يَوْمَ القِيَامَةِ حفاة عراة غرلا، وتدنوا منهم الشمس فيكلمهم ليس بينهم وبينه ترجمان.
فقالوا: هذا البعث حشرٌ روحاني للأرواح فقط، ولا تعاد إِلَى البدن، لأن العقل يدل عَلَى أن هذا محال، وأن هذه الجثة بعد أن دخلت الأرض وصارت هباءً لا تعود حية.
ونعيم الجنة نعيم روحاني فقط، وهذا الكلام يكفرهم به المؤولة وغير المؤولة ، فالْمُسْلِمُونَ جميعاً يكفرون من يقول بهذا الكلام حتى المؤولة يكفرونهم.
لكن يرد الفلاسفة عَلَى المؤولة فيقلون: أنتم أوّلتم اليد والاستواء ونحن نؤول البعث أيضاً.
قال المؤولة نحن أولّنا بقرينة.
قال الفلاسفة : ونحن عندنا قرائن عقلية مثل ما عندكم قرينة عقلية، فالقواطع والبراهين العقلية تدل عَلَى أن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يتصف بهذه الصفات، وهو منزه عنها.
هذه جناية التأويل وخطره عَلَى عقيدتنا، فلو فتحنا هذا الباب فمن يسده؟ وإذا أوّلنا وأوّلت جميع الطوائف فماذا بقي من القُرْآن والدين؟
فهذا التأويل قبل وراج لما سمي تأويلاً، وإلا فهو تحريف، فالله تَعَالَى يقول: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] ويقول المؤولة : الرحمن عَلَى العرش استولى زيادة تأويل، لكنه يحول ويغير المعنى، وإن كانوا لم يغيروا الآية، فهم لم يزيدوا في الآية إلا "لام" لكن إذا تركوها بهذا المعنى لم يبق من حقيقة الآية إلا ما هو مكتوب في المصحف فقط، أما ما تفهم به فهو المعنى الذي وضعوه، وهو بزيادة اللام.
سبب التأليف في العقائد


يقول المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ: [من أجل ذلك احتاج المؤمنون إِلَى دفع الشبه] أي: من أجل انتشار التأويل وأمثاله، احتاج المؤمنون إِلَى التأليف في العقيدة، ليردوا عَلَى هذه العقائد.
والأصل هو كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ والسنة، وهذا ما كَانَ عليه الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأصحابه، فاضطرنا هَؤُلاءِ أن نسلك هذه الطريقة وذلك لما كثرت البدع والتأويلات والانحرافات، فبدأنا نضطر أن نقاوم هذه البدع، ونبينها ونكشفها، لا نكتفي ببيان الحق، وإنما نبين ما يضاده من الباطل.
ثُمَّ يقول: [وكلٌ من التحريف والانحراف عَلَى مراتب: فقد يكون كفراً، وقد يكون فسقاً، وقد يكون معصية، وقد يكون خطأ...].
هذه قاعدة مهمة، وهذا من إنصاف المُصنِّف وعدله رحمه الله تعالى، فقد قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[المائدة:8].
مراتب التأويل


للتأويل ثلاث مراتب: قد يكون التأويل كفراً، مثل التأويلات الباطنية ، وتأويلات الفلاسفة ، وبعض التأويلات الكفرية، وبعض تأويلات الرافضة ، كمن يؤول الصلوات الخمس بأنها الأئمة الخمسة، ويؤول الصوم بأنه حفظ الأسرار إِلَى غير ذلك، هذا التأويل كفر يخرج من الملة.
وقد يكون معصية يخرج صاحبه إِلَى البدعة، يُحكم عَلَى صاحبه أنه مبتدع ومُنحلٌ، وذلك مثل التأويلات التي ذكرناها -تأويل صفات الله عَزَّ وَجَلَّ مع نية تنزيهه.
وقد يكون خطأً، فبعض النَّاس لا يتعمد التأويل، وهذا موجود حتى في بعض كتب التفسير لـأهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، وكتب الحديث لـأهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، عندما يؤول بعض الصفات خطأ، فهذا لا يخرجه من أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ .
فبعض علماء الْمُسْلِمِينَ المعتبرين قد يخطأ ويؤول بعض الصفات، فهذا خطؤه مغفورٌ له إن شاء الله، فقد يخطأ بعض الأئمة في فهم بعض الأحاديث في الصفات مع سلامة المنهج.
وأما من كَانَ منهجه وأصوله بدعية، فهذا من أهل البدع المتوعدين بعقوبة الله، إلاّ أن يتوب أو يغفر الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى له، ولا نقطع له بجنة ولا نار.
والتأويل المكفر، الذي ذكرنا إنما عد كفراً لأنه مضادة للقرآن، وتعمد في تحريفه كما تعمدت اليهود، لما قال الله تَبَارَكَ وَتَعَالَىوَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُوا حِطَّةٌ [البقرة:58] فقالت اليهود: "حنطة".
قال بعض العلماء: النون التي زادها اليهود في "حطة" وجعلوها "حنطة" مثل: اللام التي زادها المؤولة ، فقالوا في استوى: "استولى" هذا وجه الشبه بينهم، فالذي يزيد بنية المضادة أو الاستهزاء أو المحادة، فهذا يصبح من التأويل المكفر، أما الذي زاد لاعتماد أصول بدعية، فهو يدخل في باب التأويل المذموم المبتدع المتوعد عليه، وأما الذي أصوله صحيحة، لكن يقع منه خطأً كما يقع من سائر العلماء في سائر النصوص والأحاديث، فهذا يسمى خطأ، وهذا نرجو ألاّ يؤاخذ عليه عند الله تعالى، أما في الدنيا فنبين له؛ لأن الله تعهدنا بأن نبين الحق، وليس كلام أحد حجة وصواب إلا كلام مُحَمَّد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأما من عداه فإن كلامه يُبيّن وخطأه يوضح، دون أن ننتقص من قدره، ولا نخرجه من دائرة أهْل السُّنّةِ وَالْجَمَاعَةِ .
تاريخ ظهور البدع


وهذه الفرق انشقت عن الجماعة، وخالفت قول الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِه [الأنعام:153] فاتخذت دينها شيعاً، وتفرقت عن الدين، وأقدم هذه الفرق على ما يظهر لي هي الخوارج ، لأن فكرة الخوارج بدأت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم حين {كان النبي يقسم غنائم حنين، فكان يعطي المؤلفة قلوبهم، ويترك بعض المهاجرين والأنصار، حتى وجد بعض الأنصار في أنفسهم} ، فكان بعض الأعراب يذهب بالألف أو الألفين من الغنم والإبل، فخرج منهم رجل له كساء، غائر العينين، شعث الشعر -كما في الحديث- {فقَالَ: اعدل يا محمد! إنها لقسمةٌ ما أريد بها وجه الله -والعياذ بالله- فَقَالَ النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ويلك فمن يعدل إذا لم أعدل؟} فهو الذي شرع شريعة العدل صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلمنا إياها من عند ربه عَزَّ وَجَلَّ، ولكن هذا من ضيق لبه وجهله وقلة علمه، وعدم مراعاته للمقاصد والأحكام التي يراعيها الشارع في أحكامه فقد رأى أن هذه القسمة ليست عادلة، فاعترض عَلَى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر} لما اتهمه قومه بأنه آدر، فما زالوا يتهمونه حتى برأه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وكذب قولهم، وغير ذلك مما أوذي به موسى عَلَيْهِ السَّلام.
فقال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {يرحم الله موسى قد أوذي بأكثر من هذا فصبر} ، ثُمَّ قَالَ: {يخرج من صلب هذا أقوام تحقرون صلاتكم إِلَى صلاتهم، وقراءتكم إِلَى قراءتهم، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية} .
وثبت قوله في أحاديث كثيرة في قتال الخوارج {لئن أدركتهم لأقتلنهم} فأول فرقة مستقلة لها غاية، وتجمع كانت هي الخوارج . ومن مبادئهم التكفير بالذنب، وهم أصحاب الوعيد، حيث يأخذون الوعيد ويتركون الوعد، فيكفرون الزاني وشارب الخمر والسارق ونحو ذلك.
ويجاب عن ذلك أن الله قد جعل للمرتد عقوبة القتل، وللزاني الرجم، فإن كَانَ بكراً فعقوبته الجلد، وللسارق عقوبة القطع، فلو كَانَ الجميع يكفرون لكان الحد واحداً وهو القتل، والردود عليهم كثيرة.
وخرج هَؤُلاءِ في عهد عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لما حكّم الحكمين، فَقَالُوا: لا حكم إلاّ لله، حكمت الرجال في دين الله؟ فخرجوا وأمّروا عليهم عبد الله بن وهب الواحدي وقيل غيره، لكن هذا الذي اشتهرت إمرته، ورفضوا بيعة عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَالُوا: لا نبايع إلاّ مثل عُمَر ، وإلاّ فلن نبايع، فبايعوا عبد الله بن وهب ، وهو أعرابي جلف ليس له صحبة، ولا شهد له الله بخير كما يقول ابن حزم .
وظهرت الشيعة بمبدأ التعطيل، كفكرة أولى هي موجودة في أمثال عبد الله بن سبأ اليهودي الذي أسس دين الشيعة منذ أن أثار الفتنة عَلَى عثمان رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، فبداية الفرقة موجودة، لكن ظهرت كفرقة واضحة عندما خرج الخوارج وكفّروا علياً رَضِيَ اللهُ عَنْهُ.
أقسام الشيعة


الشيعة ثلاثة أقسام:
" الغالية، المؤلهة " الذين غلوا في عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وَقَالُوا: أنت أنت.
قَالَ: من أنا؟
قالوا: أنت الله، وسجدوا له -والعياذ بالله-.
وهَؤُلاءِ أمر عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ بإحراقهم، وهرب عبد الله بن سبأ إِلَى بلاد العجم، وهناك بدأ الدين السبئي.
الفرقة الثانية: "السبّابة": الذي يسبون ويشتمون الشيخين، فهم لم يخرجوا من الإسلام ولم يؤلهوا علياً، ولكنهم سبوا الشيخين رَضِيَ اللهُ عَنْهُما، وقد قال بعض الأئمة: إن سب الشيخين كفر لأن هذين كما قال علي بن الحسين زين العابدين الذي رفضته الرافضة قَالَ: كيف أسبهم وهما وزيرا جدي؟
فالذي يسب وزيري النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقد سب النبي، والذي يقول: إن أبا بكر عدو للإسلام فهو متهم لرَسُول الله، ومتهم للأمة كلها.
كيف يكون هذا الرجل منافقاً عدواً للإسلام ويوليه الرَّسُول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصلاة إشارة إِلَى تولية الإمامة العظمى؟
وكان هو وعُمَر أفضل الصحابة؟
فإذا كَانَ هذان كذابين -كما يقول هَؤُلاءِ المغترون- فالدين كله كذب، وما نقلت لنا السنة والشريعة إلاّ عن طريق الصحابة رَضِيَ اللهُ عَنْهُم، وعلى رأسهم أبُو بَكْرٍ وعُمَر .
وأما الفرقة الثالثة: وهي: "المفضلة": فهَؤُلاءِ هم الزيدية الذين وافقوا علي بن الحسين ، فَقَالُوا: لا نشتم الشيخين، ولكنهم يفضلون علياً عليهما، ويقولون: إن إمامة المفضول جائزة مع وجود الأفضل.
فـعَلِيّ الأفضل، ولكن إمامة أبِي بَكْرٍ وعُمَر جائزة، وهذا الذي أنكره عليهم علماء السلف ، وهو من البدع، ويكفينا في بدعيته أنه صح عن عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أنه قَالَ: ما جاؤني بأحد يفضلني عَلَى أبِي بَكْرٍ وعُمَر إلا جلدته حد الفرية ثمانين جلدة، وقال عَلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، كما في البُخَارِيّ : "[[والله ما من رجل وددت أن ألقى الله بعمله إلا هذا ]]" وكان يشير إِلَى "عُمَر وهو في سكرات الموت" وهذا الأثر معروف ومشهور ومتواتر بين الصحابة.
ولما اشتهرالخوارج وكفروا صاحب الذنب، كشارب الخمر والزاني والسارق، خرجت منهم فرقة تقول: لا نكفر أحداً يقول لا إله إلا الله، وكانوا مع الخوارج وجلسوا معهم فترة، فرجعوا إِلَى غلو آخر شديد وَقَالُوا: لا نكفر أحداً أبداً ما دام يقول لا إله إلا الله، حتى وإن سب الله ورسوله، وأنكر القرآن، فجنحوا إِلَى الطرف الآخر، وهَؤُلاءِ هم "المرجئة "، وظهروا في أواخر العهد الخامس.
ثُمَّ ظهرت القدرية ، وكان ظهورها في العراق أيضاً، في عهد الصحابة بتأثير النَّصَارَى الذين كانوا ف
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحلقة الثالثة من شرح الدكتور سفر الحوالي لشرح العقيدة الطحاوية
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» الحلقة الثالثة من شرح الدكتور سفر الحوالي لشرح العقيدة الطحاوية
» الحلقة الثانية من شرح الدكتور سفر الحوالي للعقيدة الطحاوية(1)
» الحلقة الأولي من شرح الدكتور سفر الحوالي للعقيدة الطحاوية
» منهج الأشاعرة في العقيدة الشيخ الدكتور سفر الحوالي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
المنتدي الرئيسي :: العقيدة الإسلامية-
انتقل الى: